موسي عليه السلام من الله وإبليس يسأله

الحمد لله الواحد
القهار العزيز الغفار مكور الليل على النهار تبصرة وذكرى لأولى القلوب
والأبصار نحمده ونستعين به ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا
مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له الملك وله الحمد يحيى ويميت
وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة تركنا على المحجة
البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك اللهم صلى وسلم وذد وبارك
عليك سيدي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك وسلم ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين
ثم أما بعد فإن أطيب الحديث كلام الله وخير الهدئ هدئ نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم {وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } ومن رحمة الله
تعالى بعباده قوله سبحانه {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ
أَصْحَابِ السَّعِيرِ }(إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) بطاعة الله ولا
تطيعوه (إنما يدعو حزبه) أتباعه في الكفر (ليكونوا من أصحاب السعير) النار
الشديدة0 سئل الحسن إبن على رضي الله عنهما أينام الشيطان فتبسم الحسن وقال
لونام لإسترحنا 0ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يجرى من
إبن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع 0 وهذا إبليس لعنة الله عليه ذات
يوم ذهب إلى كليم الله موسى عليه السلام من الله فقال له أأنت الذي إصطفاك
الله برسالته وكلمك تكليما قال له موسى عليه السلام من الله فما الذي تريد
يا هذا ومن أنت فقال إبليس لعنة الله عليه يا موسى قل لربك خلق من خلقك قد
سألك التوبة فأوحى الله إلى موسى عليه السلام قل له إني قد إستجبت لك فيما
سألت وإمره يا موسى أن يسجد لقبر آدم فإذا سجد له قبلت توبته وغفرت له
ذنوبه فأخبره موسى عليه السلام من الله فغضب إبليس وإستكبر وقال يا موسى
أنا لم أسجد له في الجنة فكيف أسجد له وهو ميت 0 وروى أن إبليس لعنة الله
عليه يشتد عليه العذاب فيقال له كيف وجدت عذاب الله فيقول أشد ما يكون
فيقال له إن آدم في رياض الجنة فإسجد له وإعتذر حتى يغفر لك فيرفض ذالك
فيشتد عليه العذاب 0 ويقول صلى الله عليه وسلم إن المؤمن ينضى شيطانه كما
ينضى أحدكم بعيره في سفره {أي يركبه }0 وُسئل عبد الله إبن مسعود رضي الله
عنه عن الشيطان قال شيطان المؤمن مهزول ضعيف لأن المؤمن يستعين بالله عليه
وصدق الله العظيم إذ يقول وهو أصدق القائلين {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ
إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم
مُّبْصِرُونَ }(إن الذين اتقوا إذا مسهم) أصابهم (طيف) وفي قراءة {طائف} أي
شيء ألم بهم (من الشيطان تذكروا) عقاب الله وثوابه (فإذا هم مبصرون) الحق
من غيره فيرجعون وصدق سبحانه وهو أصدق القائلين {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ
مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
قال أحد الصالحين قال لى شيطاني دخلت فيك وأنا مثل الجزور{اسم لما يُنْحَرُ من الإبل خاصة}
وأنا الآن مثل العصفور قلت ولما ذاك قال تذيبني بذكر الله وصدق سبحانه
وتعالى وهو أصدق القائلين {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم
بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } فأهل
الإيمان وأهل القرب من الله سبحانه وتعالى يسدون أبواب الشيطان 0وهذا عبد
الله إبن مسعود رضي الله عنه يقول خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا
وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمين الخط وعن شماله ثم قال هذا سبيل
على كل منها شيطان يدعوا إليه ثم تلا قوله سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين
{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }0وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كان راهب
في بنى إسرائيل فعمد الشيطان إلى جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن
دوائها عند الراهب فأتوا بها إليه فأبى أن يقبلها فلم يزالوا به حتى قبلها
فلما كانت عنده ليعالجها أتاه الشيطان فزين له مقاربتها ولم يزل به حتى
واقعها فحملت منه فوسوس إليه الشيطان قال له الآن يفتضح أمرك يأتيك أهلها
فإقتلها فإن سألوك فقل ماتت فقتلها ودفنها فأتى الشيطان أهلها فوسوس إليهم
وألقى في قلوبهم أنها حملت منه ثم قتلها ودفنها فأتاه أهلها فسألوه فقال
ماتت فأخذوه ليقتلوه فأتاه الشيطان فقال له أنا الذي خنقتها وأنا الذي
ألقيت في قلوب أهلها فأطعني تنجو منهم قال بما ذا قال إسجد لي سجدتين فسجد
له سجدتين فقال الشيطان إني برئ منك فهذا الذي قال الله سبحانه وتعالى
فيه{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا
كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ
الْعَالَمِينَ } 0أوكما قال التائب من الذنب كم لاذ نب له ثم مقدمة الخطبة
سأل إبليس لعنة الله عليه الأمام الشافعي فقال له ما قولك فيمن خلقني كما
إختار وإستعملنى فيما إختار وبعد ذالك إن شاء أدخلني الجنة وإن شاء أدخلني
النار أعدل ذالك أم جار فنظر الشافعي في كلامه وفكر فيه ثم قال يا هذا إن
كان خلقك لما تريد أنت فقد ظلمك وإن كان خلقك لما يريد هو فلا يُسئل عما
يفعل وهم يُسألون فإضمحل إبليس إلى أن صار لاشيء وهو يقول والله يا شافعي
لقد أخرجت بمسألتي هذا سبعين ألف عابد من ديوان العبودية إلى ديوان الكفر
0وروي أن إبليس لعنة الله عليه قال يا ربي أخرجتني من الجنة لأجل آدم وأنا
لا أقدر عليه إلا بتسليطك قال أنت قال أنت متسلط عليه أي على أولاده لعصمة
الأنبياء منه قال زدني قال لا يولد له ولد إلا ولك ولد مثله قال زدني قال
صدورهم مساكن لك تجرى فيها مجرى الدم قال زدني قال أجلب عليهم بخيلك ورجلك
أي إستعن عليهم بأعوانك من الراكب والماشي والفتن وشاركهم في الأموال
والأولاد فقال أدم يا ربى قد سلطه علىّ فلا أمتنع منه إلا بك قال لا يولد
لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من الملائكة وصدق الله العظيم إذ يقول وهو
أصدق القائلين {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ
يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ
سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }قال أدم يا
ربى ذدنى قال سبحانه وتعالى الحسنة بعشر أمثالها قال زدني قال لا أنزع
منهم التوبة مادمت أرواحهم في أبدانهم قال زدني قال أغفر لهم ولا أبالي قال
آدم قد إكتفيت فهو سبحانه وتعالى أكرم من سُل وأعظم من أعطى وأكرم من منح
فقال إبليس جعلت في آدم الرسل وأنزلت عليهم الكتب فما رسلي قال الكهان قال
فما كتبي قال الوشم قال فما حديثي قال الكذب قال فما قرآني قال الشعر قال
فما مؤذني قال المزمار قال فما مسجدي قال الأسواق قال فما بيتي قال الحمام
قال فما طعامي قال الذي لم يذكر عليه الله قال فما شرابي قال السكر قال فما
مصائدي قال النساء 0 قال صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله مخلصا
من قلبه دخل الجنة قيل وما إخلاصها يا رسول الله قال أن تحجزه عن محارم
الله0

م/ن